اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
مقدمة الوحدة
هذا الدرس كله قصص وأمثلة من حياة الرسل - صلوات الله عليهم - تعرض كي يذكرها رسول الله [ ص ] ويدع ما يعانيه من قومه من تكذيب واتهام وتعجيب وافتراء ; ويصبر على ما يواجهونه به مما تضيق به الصدور .
وهذا القصص يعرض - في الوقت ذاته - آثار رحمة الله بالرسل قبله:وما أغدق عليهم من نعمة وفضل , وما آتاهم من ملك وسلطان ومن رعاية وإنعام . وذلك رداً على عجب قومه من اختيار الله له . وما هو ببدع من الرسل . وفيهم من آتاه الله إلى جانب الرسالة الملك والسلطان ; وفيهم من سخر له الجبال يسبحن معه والطير ; وفيهم من سخر له الريح والشياطين . . كداود وسليمان . . فما وجه العجب في أن يختار الله محمداً الصادق لينزل عليه الذكر من بين قريش في آخر الزمان ?
كذلك يصور هذا القصص رعاية الله الدائمة لرسله , وحياطتهم بتوجيهه وتأديبه . فقد كانوا بشراً - كما أن محمداً [ ص ] بشر - وكان فيهم ضعف البشر . وكان الله يرعاهم فلا يدعهم لضعفهم ; إنما يبين لهم ويوجههم , ويبتليهم ليغفر لهم ويكرمهم . وفي هذا ما يطمئن قلب الرسول [ ص ] إلى رعاية ربه له , وحمايته وحياطته في كل خطوة يخطوها في حياته .
الدرس الأول:17 ابتلاء داود وقومه وقصته مع الخصمين
(اصبر على ما يقولون , واذكر عبدنا داود ذا الأيد , إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب . وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب). .
(اصبر). . إنها الإشارة إلى الطريق المطروق في حياة الرسل - عليهم صلوات الله - الطريق الذي يضمهم أجمعين . فكلهم سار في هذا الطريق . كلهم عانى . وكلهم ابتلي . وكلهم صبر . وكان الصبر هو زادهم جميعاً وطابعهم جميعاً . كل حسب درجته في سلم الأنبياء . . لقد كانت حياتهم كلها تجربة مفعمة بالابتلاءات ; مفعمة بالآلام ; وحتى السراء كانت ابتلاء وكانت محكاً للصبر على النعماء بعد الصبر على الضراء . وكلتاهما في حاجة إلى الصبر والاحتمال . .
ونستعرض حياة الرسل جميعاً - كما قصها علينا القرآن الكريم - فنرى الصبر كان قوامها , وكان العنصر البارز فيها . ونرى الابتلاء والامتحان كان مادتها وماءها . .
لكأنما كانت تلك الحياة المختارة - بل إنها لكذلك - صفحات من الابتلاء والصبر معروضة للبشرية , لتسجل كيف تنتصر الروح الإنسانية على الآلام والضرورات ; وكيف تستعلي على كل ما تعتز به في الأرض ; وتتجرد من الشهوات والمغريات ; وتخلص لله وتنجح في امتحانه , وتختاره على كل شيء سواه . . ثم لتقول للبشرية في النهاية:هذا هو الطريق . هذا هو الطريق إلى الاستعلاء , وإلى الارتفاع . هذا هو الطريق إلى الله .
(اصبر على ما يقولون). . وقد قالوا: (هذا ساحر كذاب). . وقالوا:(أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب). . وقالوا: (أأنزل عليه الذكر من بيننا ?). . وغير ذلك كثير . والله يوجه نبيه إلى الصبر على ما يقولون . ويوجهه إلى أن يعيش بقلبه مع نماذج أخرى غير هؤلاء الكفار . نماذج مستخلصة كريمة . هم إخوانه من الرسل الذين كان يذكرهم [ ص ] ويحس بالقرابة الوثيقة بينه وبينهم ; ويتحدث عنهم حديث الأخوة والنسب والقرابة . وهو يقول . . رحم الله أخي فلاناً . . أو أنا أولى بفلان .
(اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب).
.